عجيب كيف تتغير القلوب! أن نحب في يوم ونكره في وقت لاحق، أو ان نكره ثم نتمسك بما نكرهه لحد أن تؤلمنا فكرة الفراق، كيف لفكرة عابرة أن توقع بنا من أعلى درجات الوله إلى سافل أراضي البُعد، النهايات هي ليست دليلاً على الموت والإنتهاء، لكنها بلا شك دليل قاطع على رحلة الإنتقال من حقل إلى آخر، لا نموت ولا ننتهي ولا نتبخر بالوداع، قد ننكسر أو نتشتت أو ننحني وننثني أمام وحش الفراق وأوجاعه، لكننا بكل تأكيد نهزم مخاوفنا بمواجهتها ونمضي في ربوع الحياة لنخوض تجربة جديدة وسبيلاً مُختلفاً يقودنا إلى مفاجآت تسرنا واُخرى تضرنا. الحياة ليست ربيعاً دائماً وإن كانت فلابد أن نصل معها إلى حدود الملل ويغتالنا شبح معاناة إكتشاف ما وراء أسواره، لذا فإننا نعيش الصعود والهبوط، نتذوق المُر قبل الحلو، نضحك ونبكي، نتمتع بالجمال بعد أن نلتمس القُبح، نصمد وننهزم، نحارب بشراسة لنحيا السلام يوماً. الحياة معبر قصير لكنه مثير بما يحمله لنا من مستجدات ومغامرات، بعضها يُشبهنا وغيرها يصقل طاقاتنا ومواهبنا، نتحول بين جيل وجيل إلى ملامحَ جديدة، نستقبل الإشارات الكونية، تأخذنا خطانا إلى حيث كانت دعاءاتنا الطويلة التي نلتحف بها عرض السماء في جوف الليل، نتدثر بإيمانات متزعزعة بين اليقين والشك، غروسنا نوثق حبالها بالأمل وليس يحمل لنا نور الأمل سواه!
الحب .. وآه يا حب! وآه للزمن الذي يقتص من أعمارنا وأحلامنا ويبيعها في فضاء سابح لايُعير مشاعرنا أيَّ بال! الوقت العدو اللدود لنبضات القلب، فإن تأخر يكون القطار قد فات، وإن جاء مُبكراً فلا يقع في بحور الهوى إلا بعد أن يفقد كل ما ملك! وإن جاء في التوقيت الصحيح تصاحب مع العُشاق كخلٍ وفي، يتناغم معهما في رقصات ناعمة تحت هطول حبات المطر، حيث يعزف القدر لهما أجمل اللحون وأصعبها فإن صدقا كانت القصة كالجميلة التي وقعت في حُب الأمير، وإن اختل ميزان الوفاء بينهما انهزمت جيوش الود وتدحدرت إلى حيث النهاية التي يبدأن منها دروباً اُخرى لا تُشبه أيّاً منهما.
عام هجري سعيد 1439.