رمضـــان 2020

صوت المآذن الذي يملأ الأفق الفسيح، قرص الشمس الذي يذوب ويختفي بعيداً، في زاوية لامرئية كقطعة البسكويت في كوبٍ من الشاي المنعنع، صوت المدفع الذي يضرب في السلم، ليتحلق بإطلاقه الأفراد، يتلاحمون في وتيرة خاشعة، دوائر بشرية تُحيطها دوائر الإنتظار والترقب حول سُفر الطعام، الألسنة التي تتضرع بالدعاء راجية الغفران، بيوت الله التي يجتهد القاصي والداني على زيارتها، الخيم الرمضانية التي تُشيد خصيصاً لإفطار الصائمين، هامات التسامح والتلاحم الإنساني التي تلوح بتجلٍ مع قدوم الهلال تكون في أجلها، في تلك اللحظات التي يُسمع فيها هذا الصوت.. الله أكبر .. الله أكبر.. يُكسر الصيام وتُغسل معه الذنوب والخطايا، حبات التمر تختفي حبة وراء حبة بعد أن تتخاطفها الأيادي، أكواب الماء تتبادل بين هذا وذاك، أطباق عامرة من الوجبات الشهية المتكاملة، الشوربة الطبق الذي يتوق الجميع لإلتهامه لآخر قطرة، يروي العطش ويُشبع صبر المعدةِ الجائعة، فرض الصلاة والأحاديث العائلية الحميمة، حول فناجين القهوة التي تدور بروائح الزعفران والهال والبن الهرري لتضبط أوتار الدماغ وتحث نشاطه. المائدة التي تنزل في هذا الشهر الفضيل لا تشبه مائدة اُخرى، تُخفي في كواليسها الكثير من المرح والضحك والإجتهاد، كثيراً من الجهد ولُهاث الصائمين، تحضيرها يضم المساهمين من العائلة إن لم يكن معظمهم، في لف وحشو وطهو طبق السمبوسة الذي تشتهر به السُفرة الرمضانية، أقراص الخمير المزينة بحبة البركة، دوائر اللقيمات المُقرمشة التي تتراقص في أطباق التقديم تحت لحافٍ لامع من العسل أو الدبس، الهريس التي يُزين حضورها الأمعاء الخالية فتُشبع وتُغني كل خواء. فوانيس صغيرة مضيئة تتفرق بين أنحاء المنزل مُعلنة وجود رمضان بيننا، صوت المذياع يصدح من حُقبة ماضية ” رمضان جانا وفرحنا به .. بعد غيابه وبقاله زمان .. غنوا وقولوا شهر بطوله.. أهلاً رمضان”، شكل الهلال الذي نتفنن برسمه على دفاترنا للإعلان عن حضوره، فوازير رمضان التي تُعرض قرابة الثامنة، تجمعنا ونحن نتلاقط أنفاسنا بحركات الفنانة الإستعراضية الرشيقة وأزياءها الملونة المبُهرة، تتمايل بخفة ونشاط مع ألحان مازالت تسكن الذاكرة “شهر يسلم شهر .. لما وصلنا لأجمل شهر”، مازلت اتذكر همة جدي العظيمة -غفرالله له- وهو يجمعنا ويحثنا جميعاً لتأدية صلاة التروايح والوتر، نتحد في صفوفنا ونحن نرتدي أثواب الصلاة الطويلة، نحاول الإنضباط في تأدية الصلاة بالرغم من سننا اليافعة، نتضاحك فيما بيننا، ونواصل ركوعنا وسجودنا دون أن ندرك بأن لحظات كهذة ستأخذ موقعاً لايُمحى من الذاكرة، نتراكض في أنحاء المنزل فرحين بإنجازنا الصلوات الطويلة، فيما توضع صواني الحلويات بشتى أنواعها، نتلهف على تفحص ألوانها المتعددة وأشكالها المُتقنة، يتأخر بنا موعد النوم دون أن نُعاقب، نجتمع حول طاولات التسلية مثل المونوبلي والكيرم و أوراق اللعب، نشرب شراب التوت المركز المغمور بقطع الثلج، يترك أثره على شفاهنا العُليا كخط شارب، يتباهى كل منا بطول شاربه فيما البهجة والطمأنينة تعانق أرواحنا الصغيرة، كل ذلك حتى عام 2004 حين وافت المنية والدنا القائد العظيم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان رحيله إبتلاءاً عظيماً عصف بقلوب أبناء شعبه ومحبيه حول العالم، لكنه اليوم ذكرى نُجدد عهودها في الشهر الفضيل بالدعاء المتواصل له وللتذكير بمسيرته التي نحمل مسؤولية تحقيقها وإستمرارها جاهدين. رمضان هو ليس مجرد شهر، هو مساحة لكل فردٍ منا لتجديد طاقاته الروحانية، هو منحة ربانية تُفتح على مصرعيها، بأبواب واسعة لامتناهية من التوبة والرحمة والعطايا والهبات، يمنحنا الفرصة لطرقها وقرعها والتعلق بأستارها، رمضان حالة من المناجاة والرجاء والتطهر، فرصة تتجدد كل عام لنكون النسخة الأفضل من أنفسنا في كل عام.
رمضان كريم.


*نشر بتصرف على موقع العين الإخبارية:
https://al-ain.com/article/ramadan-tradition-spiritual

جائــحة كورونــا

covid-19

من عجائب زمن الكورونا أن لا نتعلم من تجربة معايشة تفشي وباء البلاء “كورونا”! أن لا نجد في حبسنا الإحترازي الآمن بين حيطان منازلنا وأفراد عائلاتنا، جذوراً لفطرتنا الأصلية السليمة ومرجعية لعروق إنسانيتنا النبيلة، أن نتوه في وحدتنا وإنفصالنا، فنبالغ تمالكنا بالظهور الكاذب عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ندعي عبره تلاحمنا الاُسري، نُفبرك مفاهيم جديدة للطاقة الإيجابية، ونواصل مسيرتنا السباقة في عوالم الكذب الأبيض والنفاق الإجتماعي، نبيع الكلمات المُسكرة والملامح المُغلفة بطعم الخداع الرخيص والمثالية الزائفة!

فايروس كوفيد-19 ليس بالجائحة الحقيقية، لكن ما يحدث في نفوسنا من جحود وإنكار لإصولنا الإنسانية وتراكيبنا الفطرية، هو تكذيب لسبب خلقنا ووجودنا، هو الجائحة التي لا يمكن لمخلوق على الأرض محاربتها أو منع تفشيها بيننا لأنها بكل بساطة قد تفشت وانتشرت وصارت جزءاً منّا، تشاركنا صحونا ومنامنا. خلع الإنسان عن نفسه لباس إنسانيته وبدلاً عن أن نكون شعوباً وقبائل لنتعارف ونعمر الأرض بالمحبة والسلام، أصبحنا نتقاتل ونتصارع كالوحوش والدواب على مسميات الجاه والسلطة والمناصب، الجشع صار العيون التي بها نسمع والأيادي التي بها نبطش، أعمت المطالب الواهمة قلوبنا ولوثت أسماعنا وحواسنا، حتى أضحينا نُقلب أجسادنا الخاوية على المنصات الإلكترونية، كالسلع البخسة التي يخشى صاحبها بوارها وإنعدام قيمتها في السوق. للأسف جائحة كورونا لم تُلقنا الدروس كما ينبغي هي فقط منحت الطبيعة والحيوانات فرصة للإحتفاء بخلو الأرض من العنصر البشري، إزدادت مساحات الاكسجين في الهواء، وتوسعت البقع الخضراء من حولنا، تكثف المشهد الحيواني على بقع متنوعة من العالم، وأخيراً مُنحت الأرض الراحة “إجازة” من فساد الآدميين! السماء راحت تغمر الكرة الأرضية بأمطارها الناعمة وكأنها تعطرها وتُزيح عنها بقايا آثامنا البشرية، تُداعب الأرض وتُهنيها بإنقراضنا وتقلص ظهورنا على نواحيها.

لماذا لا نمنح أنفسنا لحظة أخيرة لإستيعاب التغير الذي تُخلفه كورونا وراءها، كورونا عاصفة صحية وإقتصادية قد تُعيد تنظيم حيواتنا للأبد، هي قد ترسم لنا مسارات جديدة لم ترد علينا مُسبقاً، هي إنتفاضة تُخبرنا بأن التغيير قادم بأن المُتغيرات قد تكون شيئاً لم نستعد له، ازمة لم تخطر على البال! لنمنح أنفسنا في هذة الفترة من البُعد الإجتماعي المساحة الكافية للتأمل في أحوالنا الحالية والأحوال المحيطة بنا! لنعيد ترتيب دفاترنا ونُلغي من شريط يومياتنا مايجب علينا تركه، لنأخذ من علاقاتنا وأمورنا اليومية ما نستطيع إعادته، لنتعلم بأن نأخذ بذات القدر الذي نُعطيه. لماذا نكون الجائحة المميتة ياتُرى إن كنا نستطيع أن نكون علاجاً ودواءاً!

كونوا خلفاء في الأرض واعمروا قلوبكم ومنازلكم بحُسن الظن وفعل الخير، افيضوا بالإستغفار والدعاء الصادق، ودعوا الأجر والثواب لمن هو أعلم بما يقسمه من أرزاق وعطايا ورحمات.كونوا بخير وظلوا آمنين في بيوتكم.

اللهم بلغنا رمضان ونحن في أفضل حال، لا فاقدين ولا مفقودين.

تهاني الهاشمي

إقتصاد العلاقات

 

 

العلاقات هي أصعب وأبسط الأمور التي نعيشها في يومياتنا، هي أشبه بركوب الموج المُتقلب، فبقدر حاجتك للمرح والمغامرة التي يمنحك إياها إلا انه قد يهزمك في لحظة بعد أن يتمكن منك ويكسب ثقتك الكاملة بنفسك تجاهه، يُغافلك في حين غرة، يُحطم ألواحك الناصعة، يستغلها بدهاء لصالحه، ويبتلعك في غمضة عين كأنك لم تكن! هكذا هي علاقاتنا، قد تبدو في مرات مرنة ومريحة للعلن لكنها في داخلها مليئة بالتعقيدات والتشعبات، نحملها معنا بكل ذكرياتها اللطيفة وأوجاعها السقيمة عبر الوقت والأزمات، لكننا قد نتوقف في لحظة ما ونرفضها جملة وتفصيلاً، قد تنهار مباني علاقاتنا العظيمة في نقطة ما، الفشل والخذلان والجفاء والإهمال كلها معاويل هدم تأخذ جماليات مشاعرنا وإرتباطتنا لتهوي بها في مقبرة مظلمة تترك أثرها الأسود اللعين في الذاكرة. لابد وأن الكثير منا قد مرت به تجارب مريرة، وقف به الزمن معها عند موضع الألم، الألم الذي يُخلفه الهجر أو إنقطاع أحبال الثقة والمحبة، هذا الألم الذي يبدأ كنقطة صغيرة تستمر بالتدحرج بداخلك في كل لحظة خذلان أو هزيمة عاطفية أو مخاصمة طائشة، حتى يغدو بقعةً كبيرة تُجيد الإختباء بين خباياك فتكون وحشاً ثائراً إذا ما وجد طريقه للخروج!

مؤلم جداً أن تُحب فتواجهك الخيانة، أن تَصْدُق معهم فيُشككون في طُهرك، أن تمنح وتُعطي من جود ماعندك فلا تأخذ إلا اللوم والعتاب، أن تُحفز وتدفع وأن يصادفك التراب الذي يمحو وجودك، مؤلم أن تجعلهم عائلتك وأن تكون بالنسبة لهم “ولا شيء!”.. لكن الأجمل من كل هذا أن تتعلم كيف تتعامل مع ألمك وتجعل منه درساً مُفيداً لتجاربك القادمة، وتذكر دائماً أنه في سوق العلاقات، يوقِعون بالتجار الشُطار! ويتعاملون بقاعدة: لا نشتري إلا من يشترينا ولا نبيع إلا من يبيعنا، فنحن وحدنا من يُحدد الأثمان إن أجدنا لعبة الأرقام.

تك تك.. يا أم سليمان!

 

 

الوقت هو الصديق الوحيد الذي يلتصق بك رغماً عنك، من الصعب جداً أن تثق به ومن الأصعب أن تعتبره فرداً من العائلة، هو الخانة التي تخدعنا بمظهرها الفارغ، هو العقارب التي تتلاعب بنا في أوقات إنتظارنا وإستعجالنا، هو العامل الذكي الذي يُسيطر عليك في لحظات حاسمة من حياتك، فتُربكك حركاته بين البطء والسرعة، بين الإكتراث وعدمه، بين عنصر التشويق الذي لا تتحمله أعصابك طويلاً وعنصر آخر يسحلك سحلاً في ملل يجرفك إلى حافة الموت، الوقت قد يهبك عُمراً جديداً وقد يُجردك من ما تدخره.

يُجيد السيطرة علينا فهو يعرف تماماً نقاط الضعف فينا، يتسلل إلينا عبر ساعاتنا الثمينة التي نجتهد في تلميعها دون أن نفكر في الثروة الحقيقية التي تكمن في حركة عقاربه المطيعة، تك .. تك.. هو وقت تستقطعه من تاريخك الذي تعتقد بأنك وحدك من يصنعه، تك.. تك.. ترصد المساحات الضائعة التي لا تُفلح في إستغلالها من أيامك، تك.. تك.. تقيس حجم اليوم في ذاكرتك بأفراحك وأتراحك، هي ليست مجرد حركة أو حتى صوت نعتاده، هو صديق نألف صحبته ونعتاده حتى ننسى وجوده! إن كان لابد للإنسان أن يخاف من شئ ما، فهو الوقت لأنه ألد الأعداء وأصدقهم، وحده يستطيع كشف الحقائق ومسح الجراح وتطبيبها، هو عالم أبيض تتصادم فيه التروس وتتفارق، تتلاقى فيه العقارب وتتراقص، تشتعل النيران الضروس بين ضلوعه وتخمد وتتلاشى، تذوب بين طياته الغيمات وتبتسم، هو الوقت اللص الصديق الذي لا يفارقنا.

الجرح أكبر!

 

 

شرارة صغيرة اشتعلت في تلك الليلة التي انتبه هوّ لوجودها، لم تعلم بعد بأنها أثارت فيه مالم يتوقعه، إلتفت له فإبتسمت، تحرك شئٌ ما في داخله، تابعتْ الإبتسام، تأكد من أن هذة الإبتسامة هي ضالته التي طال بحثه عنها، تحولت الشرارة الصغيرة إلى شُعلة لاهبة، راح لهيبها المتراقص يُذيب الحواجز، بل يُلغي ألواج الجليد بينهما. صار يُغني لها كل صباح مفتوناً بصوتها الكسول وضحكاتها المكتومة، شيئاً فشيئاً صار صوته غذاءاً لروحها، وصارت أحاديثها بلسماً لروحه، تعلقا ببعضهما فصارت أرواحهما متلاحمة. فاجئها يوماً باللقاء، شهقتْ غير مُصدقة في اللحظة التي سقط نظرها على هيئته، كان واقفاً أمامها بإبتسامةٍ خجلى وبثقةٍ كاملة بأنه يستطيع أن يرسم على وجهها ملامح الدهشة الفرحة، هيّ حققت له ذلك وأكثر، عزفت روحها على أصابع الشوق واللهفة أغنيةَ حبٍ طاهر، رصدتْ خطواته حولها، صورتْ اللحظة في ذاكرة قلبها وأطبقت أجفانها خوفاً من أن تهرب اللقطة، جفى النوم قلبيهما، وراحا يحلمان بفرصةٍ أكبر.. لكن الرياح المعاكسة اشتدت وكسرت النوافذ، اقتحمت الأمن في ليلةٍ قمراء، نُزعت الستائر و تحطم المصباح السحري الذي يحمل في صدره الشمعة، تلك الشُعلة التي خبأ فيها جُلَّ المشاعر والذكريات، شرخ كبير ألمَ بزجاج المصباح، تصدعت محتوياته وبدا لهما تلفه، نسي هوّ بعض اللحظات بينهما وتذكرت هيّ بعضها الآخر، ابتسمت من جديد وهي تُعيد المقطع الأول بينهما، صرخَ في وجه المرايا وهو يسترجع ما قالته له في لحظة غضب، مرت بينهما أيام، الشرارة بدأت تخبو، إلتهمتها الريح العاتية، اطفئ ضياءها الخراب الذي شتت شمل المشاعر وبددها حتى صارت فراقاً طويلاً، فراق لا لقاء في نهايته. كتب لها على أحد صفحاته الطريق إلى النهاية، لم تقرأ مابين السطور، كانت تحمل قهراً لايحتمل، أعماها السقوط، وانشغلت بالقوة بعد النهوض، خبى الضوء الساطع حتى انتهى وحلت العتمة التي تلبست كل ما طالته من حولها، غفت الأحلام وراحت في سُباتٍ لايُحسب له آخر، فهل يُجمع هذا الرُفات يوماً! إنها غرائبية الحياة هذا ما قاله لها.

توته توته .. خلصت الحدوته..

لماذا نكتب؟!

 

 

لماذا نكتب؟*

 

سؤال يبدو سطحي وبسيط، لكنه في الواقع سؤال شائك ويصعب علينا تحديد إجابة واضحة له. الكتابة هي وسيلة للتواصل ونقل الأفكار، بدأها الإنسان بالرسم وتطورت فكرتها عبر العصور لتصير حروفاً وأرقاماً، كما تعددت أدواتها من البردي والأوراق والألواح حتى وصلنا إلى لوحات المفاتيح التي نستخدمها عبر أجهزة الحواسيب. لكننا كلما تعمقنا أكثر في “لماذا نكتب؟” وجدنا بأن الكتابة هي نوع من التوثيق، بها تم تناقل الكتب السماوية عبر الأزمنة الممتدة وبها صرنا ندوّن قصص السابقين وتجاربهم، إذاً الكتابة هي جزء من التاريخ إن لم تكن التاريخ كله! لا تقتصر الكتابة على ذلك فقط، فنحن نستخدم الكتابة أيضاً للتعبير عن ذواتنا، فالحمام الزاجل حمل كثيراً من رسائل الحب والغرام كما حملت المنشورات الكثير من التوجهات السياسية والحزبية. الكتابة ليست أمراً هيناً فهي تربط ماضينا بحاضرنا بمستقبلنا، هي سلسلة لحيوات مترابطة، هي إستمرارية، هي القدرة على السرد والإرتباط والتكوين، بعد كل هذا قد ترفع نظرك نحوي وتعود لتسأل لكن .. لماذا نكتب؟ نكتب لتفريغ مشاعرنا المكتوبة ولتعبير عنها، للتعري عن مكامن الضعف أو القوة، نكتب لأننا نحتاج أن يسمعنا أحد دون أن يُحاكمنا أو يقسو علينا، نكتب لأننا نحتاج إلى توثيق اللحظة من تخليدها من دفاتر الذاكرة والنسيان، نكتب لأن القلم صديقٌ وفي ولأن الحرف صار هوّ الإنسان فينا. نكتب لأن الكتابة ثورات متتالية في الروح والجسد، لأن القلم تناقل تاريخنا وأدبنا وشعرنا ودروسنا وتجاربنا ولأن في الكتابة حياة اخرى.

 


*نُشر في الصباح المصرية، شكراً للصحفي محمد حميدة.

 

 

 

 

أحببت وأخفقت .

 

 

 

 

 

أحببتك كما أنت ..

بعفويتك ومزاجيتك ..

بطباعك الحادة ..

اختيارات أُغنياتك وغناءك السيء ..

ولو أني أدمنته لبعض الوقت ..

ابتساماتك المتعثرة ..

مشاعرك التي تحرص على كبتها واخفاءها ..

بريق عينك في كل مرة تنظر بها لي ..

رائحة التبغ التي تسكن شفتيك ..

بقايا العطر على ثوبك ..

عصبيتك الغير مبررة في كثير من الأوقات ..

غيرتك عليّ مما لا أتوقعه ..

صوتك الدافئ .. وصمتك الطويل ..

صوت الورق وهو يتقلب بين كفيك ..

 

 

أحببتك كما أنت ! ..

أنا التي وقعت في حبك كما لم أفعل أبداً ..

أحببتك كما لم يهواك أحد مثلي ..

لا قبلاً ولا بعداً ..

وجدتُ في كل ما قد يجده الناس بكَ عيباً “جمالاً” ..

أخطئت لأني تمسكتُ في حبي لك ..

و أخطئت في حقك .. ..

لأني دافعت عن شعوري بك معي ..

أخفقت لأني استسلمت لحدسي ..

أخفقت لأني تركتك تسكنُ قلبي .. عينيّ.. وشفتي ..

غلطاتي معك .. أكبر من أن يمحوها الندم ..

لأن لا ندم يمحو آثار الحب أو معالمه ..

مذنبة كبيرة في حقك يا حب ..

..

..

لكني أحببتك  فعلاً وعليك أسدلت أجفاني ..

غــني بــقلبك!

 

 

 

في لحظةٍ ما تشعر بأن كل شئ يتلاشى.. يتبخر.. يتسامى.. يختفي أو حتى ينسحب. حتى في مشاعرنا، لوهلة نظن بأن شعورنا يبلغ قمته لكن بتجاوزنا المرحلة أو بخضوعنا في تجربة ما، قد نجد بأننا لم نعد أكيدين مما كان يحدث معنا. نحن ببساطة نتغير!

ليس هناك خلل في التغيير، بل أجد أنه في كثير من الحالات التي نمر بها يكون التغيير نضوجاً أو استيعاباً منا للمضي قدماً والإنتقال للمرحلة المُقبلة، لكن ماذا عن تقلب القلوب! هل كان تقلبها وعياً أم أنه حالة كغيرها نمر بها فنفقد إيماننا وننسى أو نتجاهل أسباب التضحيات والمبادرات التي قمنا بتقديمها، هل ينسى الإنسان المعروف! وكيف لا ينسى وهو خُلق لينسى ويتكيف يعيش، بالأمس كان فلان الفلاني مُغنياً رقيقاً تميز بالأغنية الرومانسية الساحرة، وتسلح بعدها بالطلق الناري ليكون في صفوف تشذ في وصوفها عن الأجواء الحالمة التي تغدق صاحبها في بحور من الشوق والمودة، واليوم قرر أن يخلع عباءته الدموية ليعود في ما عرفه الناس عليه قبلاً، أيّ القلوب نحمل! وأيّ نفس تستطيع تقبل النور الساطع والظلام الكاحل في آن واحد! وأيّ التغيرات ينبغي علينا أن نتبع! كيف يخون الصاحب ذكرياته وكيف ينسى العاشق وده وكيف يُغدر بالوفي وكيف يُستغل الأمين وكيف.. وكيف! لماذا تتقلب الأفئدة إلى الخانات الخطأ! لماذا لا تتجه إلى الفطرة بدلاً عن وسوسة الشياطين والعيش في أوكارها، لماذا يربح الشر إن كان في وجودنا بعض من الخير! لماذا نجرح ونحسد ونقتل.. ولماذا نحارب ونتصدى ونحاول إثبات وجودنا إن كنا سننقلب إلى الضد!

وكما قال الإمام الشافعي:

نعيــب زمانـــــــــــــنا والعيب فينـا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا

ونهجو ذا الزمــــــــــانَ بغير ذنبٍ *** ولو نطق الزمان لنا هجانا

وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ *** ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا

ختاماً لا أملك إلا أن اُردد يا مقلب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك.. اسأل الله لي ولكم السلامة من كل شر .

كونوا بخير .

إلى رومــــا

 

 

 

 

التطرف له ألوان وأشكال عدة، وبالرغم من ذلك فنتيجته النهائية واحدة، وكما يقال كل الطرق تؤدي إلى “روما” التي لا تشبه روما في قولنا هذا لأنها بلاد كفر كما قال الرواي! السؤال الذي يطرح نفسه هُنا، هل للتطرف أن يكون في جانب واحد على الأقل من جوانبنا الحياتية! في الحقيقة وحسب مشاهداتي الشخصية، وجدت بأن التطرف لايقتضي المعتقدات الدينية وحسب لأن الاعتقاد يلحق بالسلوك دون أن يشعر الفرد بذلك، فينال من عقلك وسلوكك حتى يتحكم بقراراتك ونمط حياتك ومصيرك كاملاً. المغالاة في جانب بحد ذاته لابد أن تنال بقية الجوانب لتسيطر على مبادئك الدينية وآرائك السياسية وأفكارك الشخصية والحياتية بما يتضمن علاقاتك الإجتماعية، فيخلق من صاحبه شخصاً جديداً لايشبه النسخة الأصلية إلا في الشكل، طبعاً وهذا لن يكون لأن المضمون يتبع المظهر مع مرور الوقت، المبالغة والغلو لم تكن يوماً طريقاً للهداية أو الوعظ فحجة الضعيف رفع الصوت وإبراز العضلات، لانه مُدرك تماماً بأن لا مكان للعقل والفكر، لكن هل كان الإسلام مصدراً للتطرف! بالطبع لا! بُعثَ رسولنا الكريم ليكون رحمةً للناس والعالمين، فكيف تنصح عبداً إذا كنت تزجره في وجهه، وكيف تطلب من غيرك حضور مجلس ذكر إذا كنت تنظر له بدونية أو أقليه، وكيف تُحمِل مخلوقاً مثلك مالا يحتمل إذ أمرنا الله تعالى بالدعاء له بأن لا يُحملنا فوق ما لا طاقة لنا به! صارت ألعاب التظاهر بالدين كثيرة وأساليبها مريرة، متى كنا نقتل الأبرياء لتحقيق العدالة ومتى كُنا نُبيح الأعراض بالنظرات والألسن فيما كان قذف المحصنات الغافلات من الكبائر! هذا التطرف لا يعنينا ولا يُمثلنا بأي شكلٍ كان، هو ليس إلا معول هادم للفرد قبل الجماعة، هو ليس إلا هدر للقيمة البشرية والإنسانية وديننا يسمو عن كل ذلك لأنه لايحمل في طياته إلا مفهوم الخير والسلام، فالإعتدال والوسطية هما أحد أهم اللبنات التي قام عليها هذا الدين الكريم وإلا لما دام ولا كان ولاصار، اختم حروفي هذة بآية قرآنية كريمة آملة أن نتأملها جيداً.

قال تعالى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾  سورة عمران:159

تأنـق وَ حـب ..

 

 

 

 

هي تضحك وتتأنق.. بعض الشفاه تتغامز وتلمز من حولها: “هي سعيدة لاشئ يُكدر صفوها”، هي تستفرد بذاتها في نهاية كل يوم، تنظر لجمالها الذي تُدرك حقيقة زواله مع تقدم عُمرها، تُحصي المتاعب التي مرت بها وتلك المُشكلات التي مازالت تُصارعها، وتبقى على سجادتها تدعو أن تُزاح عنها الغمة، تغمر وجهها بكريمات العناية المسائية، فيما تظل تلك الأفواه تُراقب وتتحدث عن موديل سيارتها ولون حقيبة يدها، وعن آخر صورة قامت برفعها على الانستغرام، تُتمتم تلك: “اُف! هيّ بلا هموم! لاتتقدم في السن أبداً”.

والكثير من هذة القصص المُشابهة، التي تشبهها في الشكل ولكنها أخبث وأكثر حقداً وضغينة في المعنى.. لماذا تهوى مُجتمعاتنا تقدير الأمور بطريقة سطحية..؟ لماذا نهتم كثيراً في إلقاء الأحكام على الآخرين ومن ثم تقييدهم بها، وأسرهم بما نظن حد الموت والدمار! .. هل هذة إشاراتهم التي يبعثونها للعالم لعدم الرضا أو لعدم القناعة أو أنه دليل على قلة الإيمان بالله سبحانه وتعالى!

يُسدل رب العباد عليهم من ستره باللباس الثقيل الساتر الذي لايشف ولايصف، ولكننا بجهلنا وغباءنا دائماً ما نميل لكشف الأستار وهتك الأعراض، يظل السؤال الأهم لديّ اليوم هو (لماذا؟)، من جماليات الحياة بأننا بالرغم من كل الصعوبات والعقبات التي تمر بنا فإننا خُلقنا بالقوة الكافية للخروج من منازلنا مع الأناقة الفطرية برسم إبتسامة جميلة نؤجر ونُثاب على بثها لمن حولنا، فما أعظم خالقنا وما أعظم رسالته لنا، لكننا دوماً نتجاهل الجمال ونلتزم بإظهار القُبح. هيّ تتجمل لأنها تؤمن بأن الله قادر على إزاحة أثقالها ودفعها بعيداً، وهم يُثرثرون لأنهم لا يُدركون بأنهم يحملون عنها ما تتخفف منه، فلو أدركوا هل كانوا ليفتحوا أفواههم الجافة كما هم دوماً يفعلون.؟!

أترك لكم مساحتكم للتأمل والتفكير وكل عام وانتم ومن تحبون في حالة حُب وهيام تدوم وتدوم.

 

 

كل الحب،

تهــاني الهــاشمي