
“ انتِ بكفة يا ريم ، و العالم الباقي كله بكفه“
تسكت ريم بعد سماعها لتلك الكلمات التي طار قلبها بها بهجة و بكت عيناها بهما من فرط السعادة ، تغمض عيناها لتترقرق دموعها التي جرت برفق على مخملية وجنتيها و كأنها خشيت أن تجرحهما ، و تعض احدى شفتيها و تستمر في ممارسة صمتها. يتنهد مازن و يظل يردد اسمها ، منتظراً منها اشارة ، و لكن يبدو أن ريم تجيبه بلغة الهاتف حيث يستمع بعد دقائق لا تتعدى الثلاثة بإقفال الخط! لم ينم مازن ليلتها ، و لم تنم ريم أيضاً .
تعانق ريم مخدتها و هي تصارع كم الأفكار الهائلة التي تشتعل في ذهنها كالسجائر الملتهبة واحدة تلو الأخرى و لكن بفارق أن أفكارها لا تنطفئ بل تزداد اشتعالاً.
يخرج مازن من حجرته ليصلي الفجر ، و لكنه لا يعود للمنزل بل يظل حبيساً لكل ما يجئ و يذهب في مخيلته ، يمشط بصمته و حيرته شوارع حارتهم الواسعة ، يمشي بلا هدف و لا ركيزة ، يردد في داخله “ ليش ياريم قفلتي الخط .. ليش!! “ .. و لسبب لا يعلمه لم يجرأ مازن أن يعاود الإتصال بها! بل استسلم لإنهمار كل السلبيات التي غمرته في لحظة سماعة لرنات قطع الاتصال “توت .. توت .. توت“ هذا كل ما كان يسمعه في رأسه مع شعور في داخله بأنها كانت تصرخ بأنها تشعر به كما يشعر بها !!!
يطل الصبح فيداعب أجفان من تلحف بأذيال الظلام فيفيقهم بنشاط ، و يعذب بإطلالته قلوباً صغيرة أخرى مُعذبة كـ قلب ريم و مازن . يدحرج مازن عينيه الحمراوتين اثر عناء السهر و تعب التفكير و تتوسد ريم فراشها و هي ممدة عليه كجثه هامدة أنهكها جمال حب مازن و عذب آخر كلماته .
يرفع مازن سماعة الهاتف ، و ينظر للائحة المكالمات و ينظر بتأمل لإسمها الذي ينير شاشة هاتفه ، فتخرج دوائر السعادة من عينيه لترقص انتعاشاً و مرحاً حول أركان غرفته التي حجب الأنوار فيها بقطع الستائر القاتمة اللون ، و لكن تلك الدوائر ما تلبث الا و تقتل نفسها بعد أن يضغط بأصابعه الطويلة على زر “الاعلى“ لينتقل للإسم التالي في تلك اللائحة .. و بصوت مخنوق يطلب من أحد زملائه إخبار المدير بأنه لا يستطيع التواجد لشعوره بإعياء مفاجئ.
أما ريم تود لو أنها تقتل نفسها ألف مرة ، لأنها كانت تنتظر سماع كلمات كهذه من مازن ، و لكن ما نفعها ان لم يكن مازن ينوي الإرتباط بها ؟! لا تريد ريم أن تستمر في علاقة سرية مع شاب كل ما يستطيع فعله من أجلها ، أن يبوح لها بكلمات تفوح حبا ً و رومنسية! تعشق ريم رومنسية مازن و لكنها تجد أن الحب لا يعيش في أرض مجتمعنا الذي لا يرحم عذرية تلك المشاعر الطاهرة .
تغلق ريم أخر صفحاتها مع مازن بتلك الدمعات التي تمادت في الجريان على نعومة خديها ، و يصادف مازن “ريم“ أخرى يسمعها كلماته الغارقة في بحر الأشواق و المحبة.
ليدي تـي

