تصلني الكثير من الرسائل بخصوص الكتابة وكيفيتها، وفي كل مرة اقرأ سؤالاً من هذا النوع أرتبك وارتعد، هل الكتابة بحاجة فعلاً للتلقين! هل هي ما تعلمناه في حصص القراءة والكتابة والتعبير والنحو! هل الكتابة مهارة أم انها ممارسة…؟!
حلمتُ في عُمرٍ مُبكر أن يكون لي كتاب، يحمل اسمي وبعضاً مني ومن خربشاتي، خضت في حُلمي رحلات عديدة وحروب طويلة، انتصرتُ خلالها على نفسي وصار حلمي الجميل حقيقة أكثر إبهاراً. أن تبدأ في الكتابة هو التحدي الحقيقي وأن تستمر فيها فهذة شجاعة، لأن تخوض تحدي من نوع آخر، وأن تستكمل العمل حتى النهاية، هو إنجاز يُشار إليه بالبنان، ولبلوغ مرحلة كهذة عليك بالوقوف من جديد للولوج في مرحلة النشر، بعدها تجد نفسك منهكاً ومُجهداً من سلاسل الكفاحات والعمل المستمر، لتجد نفسك على متن قاربك الصغير تُبحر في عرض البحر الواسع، تشعر بضآلة حجمك في خضم هذا الإبحار الرحيب، أنتَ مجرد نقطة صغيرة يحملها الماء على ظهره، موجة كبيرة قد ترفعك عالياً واُخرى غادره قد تسحبك للقاع، نسمة هواء خفيفة قد تدفعك قُدماً وريح غاضبة قد تمسح وجودك تماماً!
فهمتُ اليوم بعد أعوام قليلة من الخبرة والممارسة بأن السند الوحيد لك لحُلم الكتابة، هو الكتابة ذاتها، الورق والحبر هو كل ما يملكه الكاتب. الكتابة هي المتعة في الإبحار بين الأفكار والحروف، هي تُعلمك شد حبال الشراع لتواجه الرياح القاسية، تُعلمك بناء متن قاربك الصغير بأصابع مُحترفة لتتمكن من النجاة من الهلاك ومواجهة المخاطر، الكتابة تهذيب قبل أن تكون كتاباً يحمل اسمك ورسمك، هي عالم لا نهاية له من السحر والإبداع والخيالات والأحلام المتواصلة، هي سلسلة من الآم والأوجاع التي تنسحب من خلياتك الناعسة لتبدأ نبضها ودمعها على الصفحات الخالية، هي رتمٌ حزين يخلع نعليه عند بابك لتكتبه، هي نغمة فرح تطرق نافذتك لتُغني لك اقرأني أو اكتبني في كل مرة. هي حواسك الخمس تتراقص أمامك، تقف على سهم القِبلة ترفع يديها عالياً وتصرخ فيك “الله أكبر”، هي روح تتلبسك ومتى فعلت ذلك فإنه يصعب عليك خلع رداءها، هي خلود لحيواتٍ كثيرة تُحارب من خلالك نظرية الفناء وتحولها إلى وجود لانهائي.
أن تكتب يعني أن تعيش، أن ترى، أن تتنفس، أن تسمع، أن تشعر، أن تتذوق، فكيف لي أن اشرح لك كيف أن تكون إنساناً.. أو أن احكي لك عن علم الحياة!
عاش قلمك استاذة تهاني. و لتكون حياتك نافذه لحيوات اخرى كثيره.
برافو استاذة تهاني ?