إنها قديسة!

 

 

المثالية! كلمة مُضحكة لأن معناها بات مُختبئاً وراء وجوه عدة، الدناءة ترتدي ثوب الطهارة وتخرج معك في نُزهة طويلة، تُقنعك بأنها لم تُدنس يوماً، ولم تكن شيئاً سوا ثوباً أبيضاً نقياً لم تلوثه مُخلفات الحياة ولا النوايا السيئة. العُهر يتلون في وشاح العفة بعد أن تلوى في مياة النجاسة التي أدمن وجوده في مجاريرها، لم يعي شيئاً إلا تلك الرذيلة، لذا فهو ضحية مُجتمعية لابد لنا من تقبلها وتفهمها في حال كُشفت ورُصدت في وضع مُخل، عدا ذلك فأنها سترمي الجميع بتُهمتها التي تخشى الإفصاح عنها! النفاق نفقٌ مظلم طويل لا نهاية له، يبدأ في مجاملة صغيرة فيجد نتاجها كبيراً، فتحمله خطاه للمضي قُدماً لجني المزيد، تتورط مصالحه مع الأشخاص الخطأ ويستأثر أن لا تزل قدمه –لاسمح الله- للطريق الصحيح فيُتابع لغطه ونفاقه تحت مُسمى لامع اسمه “ود إجتماعي”. عينات كثيرة نصطدم بها وأيّ إصطدام، قد يودي بحياتك في بعض المرات، لكنك في كل مرة تُعلق بأنك ستكون أذكى وأوعى، لكن كما تستطيع البكتيريا والفيروسات أن تطور نظامها للتتكيف مع كل كم المضادات التي تم اختراعها فتتفوق عليها، كانت كذلك نوعية البشر تواصل تطورها نحو العالم السُفلي، تتمرد على المصداقية والأمانة والنزاهة والطريق المستقيم، لتخلق لنفسها عالماً متزامناً مع حالة السرعة والتكنولوجيا التي نعيشها. حالة من التجرد واللإنسانية، حالة شيطانية تتلبس معظم البشريين للحصول على المادة، تُطحن الأخلاقيات تحت قطار الرغبات، سُرعته تفوق الوقت والزمان، يقتلع في طريقة جميع القيم الجميلة، وكل تلك الشخوص الأنيقة التي بتنا نحلم بوجودها في حياتنا ولو لحقبة زمنية قصيرة، نسترجع منها ذكرى راقية نتصبر بها على غدر الإنسانية التي تلبست قناع المثالية والقداسة! تباً لكم و تباً لمجتمع بنته نواياكم الخبيثة التي لن تصلوا بها إلا للدرك الأسفل!! آخ لجانب القداسة فيَّ.

دمتم بعز،

تهاني الهاشمي

 

قلب وعقل وأرجوحة سلام

 

 

فكرت كثيراً قبل أن أكتب حروفي اليوم.. هل أكتب ما اُفكر به..! هل املأ صفحاتي بما بإنسكابات الشعور والقلق وصراعاته؟ أم ابوح بما أراه وأسمعه وأتنفسه وأعيشه! إنتفاضة كبيرة شعرتُ بها تقام في داخلي، فمرة تهجم جنود القلب على عروش الفكر و مرة يتصالح الطرفان فيتابعان طفوهما على برك الحياة العابرة. ولما حكم العقل وأمسك بزمام الأمور راحت عواطفي المختلطة في عركة طويلة مع رواسخ فكري فجف حبر قلمي وأعلن إستسلامه، وخضعت أخيراً لعقلي وسمحتُ له لأن يقود شعوري التائه ويصطحبها في دروب السلامة.
الكلمات تتطاير بل تتبخر حد التلاشي في حالة مُجهدة كهذة، لكني بالرغم من كل شئ قررتُ أن اتجرأ وأكتب. أكتب من أجل الصدق الذي فقدته بعد أن أختبأ وتوارى وراء ملامح التزييف والإدعاء، أكتب لأجل الأمانة التي تحولت لمعايير صدئة قديمة لا تتناسب مع الموضة والتكنولوجيا، أكتب لكل معنى بسيط وعميق و كل مظهر عفوي غير مبالغ غادرنا دون إلتفاتة لما خلف وراءه من فراغ موحش ودامي.. أكتب لعل شيئاً مما كان أن يعود، أكتب للماضي الذي لم يعد مضارعاً ولا حاضراً ولا حتى جزءاً من الذاكرة، أكتب للمُثل العالية التي هربت من نوافذ بيوتنا وأبوابها، للأخلاقيات التي تم تصنيعها بجدارة في التايوان والصين وقمنا بتداولها متظاهرين بالحضارة ومواكبة التطور، أكتب لأنني أحتاج بعضاً من الهواء النقي في عرض سماء إختنقت بالشجارات في كل زاوية.. في تلك الزاوية غدر الأخ بأخيه، و في ذاك الركن أفشى ابن العم بسر ابن عمه، وحول قارعة الطريق خلعت تلك الهيفاء الخجولة عباءة أمها وراحت تركض نحو سراب واحة لا وجود لها! تعتليني الآن إبتسامة عريضة، وكأن عقلي شعر بالنصر، اممم هل قلت بأنه شَعَرَ! عفواً .. يبدو أني لم أنجح في ترويض جماح شعوري، يبدو أني كتبت كفايتي لليوم.. فهل اكتفيتم..؟!